زياد الرحباني- تمرد عبقري أنار درب فيروز وأغنى الفن

المؤلف: حمود أبو طالب08.24.2025
زياد الرحباني- تمرد عبقري أنار درب فيروز وأغنى الفن

في عالم الإبداع، على اختلاف أنواعه، قلة هم الذين تمكنوا من تجاوز تأثير العائلة البارزة بمواهبهم الفذة، واستطاعوا أن يثبتوا أنفسهم ككيانات مستقلة ذات هوية فريدة وبصمة متميزة. زياد الرحباني، الذي رحل عنا منذ أيام قليلة، كان مثالاً بارزاً لتلك المعضلة التي تواجه النشأة في كنف عائلة ليست فقط مبدعة، بل محاطة بهالة واسعة من الشهرة والأضواء، مما جعلها قريبة من مستوى الأساطير، ونقصد هنا السيدة فيروز والرحابنة، وبالأخص فيروز الأم وعاصي الرحباني الأب لهذا الفنان الذي اقتحم تلك الهالة في وقت مبكر، ثم تمرّد عليها ليخلق هالة جديدة، معادلتها هي فيروز وزياد، أو زياد وفيروز، وهي معادلة قلبت موازين الفن الفيروزي التقليدي المستوحى من إرث الرحابنة وبقية الملحنين، وشكلت فصلاً جديداً في تاريخ سيدة الغناء فيروز، بل أسست لنمط مبتكر في الأغنية العربية.

بالإضافة إلى مسيرته في التلحين لوالدته السيدة فيروز، كان لزياد الرحباني مسار آخر متعدد الجوانب. فهو الموسيقار، المؤلف المسرحي، الكاتب، المثقف، الشخصية السياسية، الشاعر، الإعلامي، الناشط الاجتماعي، كلها ميادين خاضها زياد بتركيز شديد، إلا أن الموسيقار زياد يظل هو الجوهر الذي يهمنا، لأنه المجال الذي أبدع فيه بطريقة لم يسبقه إليها أحد.

في هذه اللحظة، وبعد رحيله، ليس من العدل أن نحاكم حياته الشخصية وما اكتنفها من صعاب جمة، أو سلوكياته الخاصة مع نفسه ومع محيطه العائلي والاجتماعي، أو آرائه السياسية، أو معتقداته الفكرية، أو الأضرار والخسائر التي لحقت به نتيجة القلق الوجودي الذي كان يعيشه، وتلك الطاقة الهائلة التي كان يسعى لتوزيع شحناتها في مسارات متنوعة بأسلوبه المستقل، دون أن يكترث لكيفية رؤية الآخرين له أو تقييمهم لأعماله. عاش حياته كعاصفة هوجاء لا تهدأ، استنفد كل ما في داخله من طاقة وقدرات، ولو امتد به العمر لاكتشفنا المزيد مما كان كامناً في أعماق إبداعه، لكنه تعب واستسلم، ثم ودع الدنيا الوداع الأخير، وغرق في صمت أبدي.

زياد الرحباني ظاهرة فنية فريدة من نوعها، يصعب تكرارها، ساهم في تكوينها موهبة عظيمة ونادرة، وظروف وبيئة ومعطيات ساعدت تلك الموهبة على التفتح والإزهار بشكل استثنائي.. وداعاً زياد، يا من أثرت عالمنا بإبداعك.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة